بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله.
بعد أن تم صلح الحديبية في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرير العين بما فتح الله إليه، فعندئذٍ كتب إلى الملوك من العرب والعجم ورؤساء القبائل والأساقفة والمرازبة وغيرهم يدعوهم إلى الله تعالى وإلى الإسلام، وقد ذكر محمد طاهر الكردي في كتابه تاريخ الخط العربي بأن الصحابي عبدالله بن الأرقم الزهري كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرسائل للملوك وغيرهم.
ومن هنا سأعرض عليكم أيها الأحبة رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم، وصوراً منها وقصتها عبر التاريخ، وسيكون أول موضوعنا عن رسالته صلى الله عليه وسلم الذي أرسله إلى هرقل عظيم الروم، وبقية الرسائل ستأتي تباعاً في مواضيع قادمة بإذن الله.
رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم
قدم دحية بن خليفة على هرقل عظيم الروم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم ويؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
وهذه صورة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، بخط أحد الصحابة رضوان الله عليهم :
وفيما يلي توضيح لما في ثنايا هذه الرسالة الكريمة :
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله
إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد
فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله
أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله
ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من
دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسـ
لمون ( ختم ) محمد رسول الله
فلما انتهى إلى هرقل عظيم الروم كتابه وقرأه، أخذه فجعله بين فخذيه وخاصرته، ثم أمر هرقل ببطارقة الروم ؛ فجمعوا له في دسكرة، وأمر بها فأشرجت أبوابها عليهم ؛ ثم اطلع عليهم من علية له ؛ وخافهم على نفسه، وقال: يا معشر الروم ؛ إنني قد جمعتكم لخير؛ إنه قد أتاني كتاب هذا الرجل يدعوني إلى دينه، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا؛ فهلموا فلنتبعه ونصدقه، فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا. قال : فنخروا نخرة رجل واحد؛ ثم ابتدروا أبواب الدسكرة ليخرجوا منها فوجدوها قد أغلقت، فقال: كروهم علي - وخافهم على نفسه - فقال : يا معشر الروم ؛ إني قد قلت لكم المقالة التي قلت لأنظر كيف صلابتكم على دينكم لهذا الأمر الذي قد حدث؛ وقد رأيت منكم الذي أسر به؛ فوقعوا له سجداً ؛ وأمر بأبواب الدسكرة ففتحت لهم ؛ فانطلقوا. ثم قال هرقل لدحية بن خليفة حين قدم عليه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك ! والله إني لأعلم أن صاحبك نبيٌ مرسل ؛ وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا ؛ ولكني أخاف الروم على نفسي ؛ ولولا ذلك لأتبعته؛ فاذهب إلى صغاطر الأسقف فاذكر لهم أمر صاحبكم ؛ فهو والله أعظم في الروم منى، وأجوز قولا عندهم منى ؛ فانظر ما يقول لك.
قال: فجاءه دحية؛ فأخبره بما جاء به من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، وبما يدعوه إليه، فقال صغاطر: صاحبك والله نبي مرسل؛ نعرفه بصفته، ونجده في كتبنا باسمه، ثم دخل فألقى ثياباً كانت عليه سوداً، ولبس ثيابا بيضا، ثم أخذ عصاه؛ فخرج على الروم وهم في الكنيسة، فقال: يا معشر الروم؛ إنه قد جاءنا كتابٌ من أحمد؛ يدعونا فيه إلى الله عز وجل؛ وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله.
قال: فوثبوا عليه وثبة رجل واحد، فضربوه حتى قتلوه. فلما رجع دحية إلى هرقل فأخبره الخبر قال: قد قلت لك: إنا نخافهم على أنفسنا؛ فصغاطر - والله - كان أعظم عندهم وأجوز قولاً مني.
ذكر اليعقوبي في كتابه " أن هرقل كتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الرسالة : إلى أحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى من قيصر ملك الروم: أنه جاءني كتابك مع رسولك وإني أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددت أني عندك فأخدمك واغسل قدميك. فقال رسول الله: يبقى ملكهم ما بقي كتابي عندهم . "
وقد ظلت هذه الرسالة متوارثة في أسرة هرقل، وكان منهم حكام في الأندلس ثم انقطعت أخبارها بعد ذلك، حتى وُجدت بحوزة أميرة عربية كانت تقيم في لندن، وما إن علم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بأمر الرسالة ( الوثيقة ) حتى أوفد مستشاره إلى زيوريخ حيث كانت مودعة في خزانة خاصة بأحد البنوك، ثم جرى نقلها بحضور الأميرة إلى خزينة أخرى بأحد بنوك لندن، حيث دُرست هناك وتبين أنه عمرها يزيد على الألف وثلثمائة سنة، وأن الوثيقة صحيحة، أو على الأقل نسخة من الأصل، فقد وجدتُ معلومة أخرى تبين أن الملك حسين بن طلال عام 1977م أعلن فيه لشعبه أن أثر من أعز أثار تاريخنا العربي الاسلامي وهو أصل الرسالة التي وجهها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، وأن جلالته وبمناسبة اليوبيل الفضي لتتويجه يتقدم بإهدائه إلى شعبه الأردني، وأرتأى بأن تحفظ في مسجد الهاشمية.
والله أعلم.
_______